الخميس، 12 سبتمبر 2019

بناء وغرس القيم

يمر مجتمعنا العربي والإسلامي بفترة حرجة من حياته تتسم باهتزاز القيم ، واضطراب المعايير الاجتماعية والأخلاقية ، وكثرة حالات الخروج على تعاليم الدين الحنيف .

فنظرةُ إلى الحياة النفسية والاجتماعية التي يحياها شباب العروبة والإسلام تؤكد ما يعانونه من اغتراب نفسي وخلل قيمي مخيف .

وفي هذا العصر – عصر التطور التقني والانفجار المعرفي – نجد أن الأمور تسير في طريق إبعاد الفرد والمجتمع عن قيمة ودينه أكثر فأكثر ، ابتداءً من الانبهار بالتطور التقني والتجاوب معه دون وجود رصيد قيمي وسلوكي يضبط الحياة ، مروراً بالميل المتنامي لدى كثير من الأفراد نحو اللامبالاة بما يقترفه بعض الأفراد والجماعات في المجتمع من سلوكيات تتنافى وقيم هذا المجتمع ، إضافة إلى ظهور بعض التيارات والدعوات التي تنادي صراحة أو ضمنياً بالخروج على هذه القيم ، مع تسلل القدوة السيئة التي لا تتفق مع قيمنا إلى معظم البيوت من خلال أجهزة الإعلام ووسائل الاتصال الحديثة بحيث أصبحت هذه القدوة – مع مرور الوقت – شيئاً مألوفا . هذا مع انشغال الناس في هذه الأيام أكثر فأكثر بهموم لقمة العيش التي أصبح تحصيلها يستنزف معظم وقت وجهد رب الأسرة

وأزمة القیم التي يعيشها أبناء المسلمین تتمثل في صراع القیم؛ أي بین الأخذ بالقیم الأصیلة الموروثة، وبین الأخذ بالقیم الوافدة من الخارج؛ بحیث یكوّن ھذا الصراع في داخل الأفراد ما یسمى بالتناقض القیمي؛ وهو النفاق الاجتماعي ، ومخالفة القول الفعل، وھذا الصراع والتناقض تحول إلى مشكلة كبیرة في المجتمع یصعب حلها في كثیر من الأوقات؛ بسبب غیاب الرؤیة التصوریة لمنظومة القیم المستقبلیة التي تطمح التربیة إلى غرسھا في الأفراد بمختلف مستویاتهم العمریة والتعلیمیة. وهنا یكمن العمل التربوي؛ حیث إنّ غرس القیم لیس مسؤولیة مؤسسة بعينها، بل هي مسؤولیة كل الأجهزة والمؤسسات في المجتمع بمختلف مواقعها المتعددة؛ وهو لیس أحد المواد المقررة في المدرسة؛ وإنما هي مسؤولیة كل جوانب العمل التربوي في جزئیاتھ وكلیاتھ. ولإیصال القیم الأصیلة إلى أفراد المجتمع لا بد من البحث عن أساليب تربوية جديدة لا تخرج عن الأطر الإسلامية لغرس القيم وتدريسها للأطفال بما يتناسب مع مراحلهم العمرية .

مفهوم القيم:

عرفت القيم بأنها " مجموعة من القوانين والمقاييس تنشأ في جماعة ما، ويتخذون منها معايير للحكم على الأعمال والأفعال المادية والمعنوية، وتكون لها من القوة والتأثير على الجماعة بحيث يصبح لها صفة الإلزام والضرورة والعمومية وأي خروج عليها أو انحراف على اتجاهاتها يصبح خروجًا عن مبادئ الجماعة وأهدافها ومثلها العليا ".

خصائص القيم:

تمتاز القيم بمجموعة من الخصائص تميزها عن غيرها من المفاهيم الأخرى كالحاجة أو الدافع أو المعتقد أو الاتجاه أو السلوك، ويمكن إبراز أهمها فيما يلي:

  • أنها إنسانية بمعنى أنها تختص بالبشر دون غيرهم، وهذا ما يميزها عن الحاجات التي تخص البشر وغيرهم.

  • أنها مرتبطة بزمان معين، فالقيم إدراك يرتبط بالماضي والحاضر والمستقبل، وهي بهذا المعنى تبتعد عن معنى الرغبات أو الميول التي ترتبط بالحاضر فقط.

  • أنها تمتلك صفة الضدية، فلكل قيمة ضدها، مما يجعل لها قطبًا إيجابيًا وقطبًا سلبيًا والقطب الإيجابي هو وحده الذي يشكل القيمة في حين يمثل القطب السالب ما يمكن أن نسميه " ضد القيمة " أو " عكس القيمة ".

  • المعيارية: بمعنى أن القيم بمثابة معيار لإصدار الأحكام تقيس وتقيم وتفسر وتعلل من خلالها السلوك الإنساني.

  • تتصف القيم بأنها نسبية: من حيث الزمان والمكان، فما يعتبر مقبولًا في عصر من العصور، لا يعتبر كذلك في عصر آخر، وما يعتبر مناسبًا في مكان ما لا يكون كذلك في مكان آخر.

أهمية القيم للفرد والمجتمع:

أهمية هذه القيم وضرورة غرسها والعناية بها في عالم اليوم المتغير المتقلب الذي بدأ يتنكر للقيم ويحارب الفضيلة، وتتضح هذه الأهمية للأسباب التالية:

  1. اتِّسام المجتمعات عامة ومنها الشعوب العربية والإسلامية حاليًا، باهتزاز القيم واضطراب المعايير الاجتماعية والأخلاقية، وكثرة حالات الخروج على تعاليم الدين والقانون، مما أصبح يثير الخوف من تهديد أمن البلاد واستقرارها الاجتماعي، مما يدعو إلى ضرورة بناء شخصية الإنسان على الدين، وإلى تعميق العقيدة والشريعة في نفوس أبناء جيل الغد، على وجه يهيئ لهم الانتفاع مما شرعه الله لعباده، ويعصمهم من الزلل، ويحميهم من التعصب، ويبعدهم عن الانحراف وعن التأثر بالأفكار المسمومة.

  2. الواقع الراهن الذي يتميز بالتطور التقني والانفجار المعرفي، وكل منهما يلاحق الآخر بصورة مذهلة، ويفرض الانبهار به والتجاوب معه والتعامل مع متطلباته، ولهذا التطور والتنامي سلوكيات يضبط حركة الحياة، ويخشى مع مرور الوقت وقوعنا في التبعية المعرفية والثقافية المصاحبة، مما يتهدد الانتماء إلى أمتنا الإسلامية.

  3. الميل المتنامي لدى أفراد المجتمع إلى عدم المبالاة بالحماقات التي يقترفها بعض أفراده وجماعاته، إضافة إلى ظهور التيارات المعاكسة للتدين، وتسرب القدوة الصالحة من أكثر من موقع، مما هيأ الساحة لأعداء وخصوم سعوا في تفتيت الوحدة السلوكية وتوسيع الفجوة بين الأجيال وإلى تكريس العلمانية.

للمزيد عن بناء وغرس القيم يمكنكم الضغط هنا

0 التعليقات:

إرسال تعليق