لقد اشتدت حاجة القضاة في هذا العصر إلى أعوان ، ليتحقق كمال العدل ، وحفظ الحقوق على أكمل وجه ، إلا بوجودهم مع كفاءتهم - ومالا يتحقق الواجب إلا به فهو واجب سواء كانوا من الجهاز القضائي الرسمي للدولة ، أم من ذوي المهن الحرة وأهل الخبرة ؛ نظراً للتغير الكبير في أنظمـة الحيـاة ، وأوضـاع النـاس وأعرافهم ، وتعقد وتداخل مصالحهم ، والتسارع المتلاحـق للظـواهر الاجتماعيـة والاقتصادية ، تلح على الأمة المسلمة بأن تواجهها بعقـل واعٍ ، مـدرك لأصـول الشريعة ، ومستوعب لمتغيرات الحياة .
وكان من نتيجة تلك المتغيرات ، ارتفاع حجم النزاعات ، وازدياد التردد على المحاكم من الأفراد والجماعات ؛ لتأمين حقوقهم ، طالبين الحصول على أموالهم بأسرع الأوقات ، ولم يكن من السهل على القضاءِ العادي ذي الصبغة المتأنية والمتروية في التعمق والتدقيق ، أن يستجيب لكل هذه المتطلبات ؛ لذا عرف فقهنا الإسلامي ، الحراسة القضائية ، كإجراء استعجالي ، قضائي ، يتميز بالجدة والأصـالة ، ويعـالج مشاكل قائمة وأموراً حادثة ، لها أثرها في أمن الناس على أموالهم وحقوقهم ، وثقتهم في قضائهم ، وعدالة سير دعواهم .
فاليوم الحارس القضائي أصبح من أهم رجالات القضاء وأعوانه بمسماه الحديث ، وبالأمس عرفه فقهنا الإسلامي في تراثه الزاخر ، وفروعه الجمة ، بالثقة ، والأمـين ، والعدل ، ووكيل القاضي ، والعقْلَة ، في مسائل متشعبة ، ووقائع قضائية متعـددة ، وذلك الاهتمام الفقهي العريق ، كان له عميق الأثر في صـياغة الأنظمـة القضـائية السعودية منذ نشوئها.
ويمكن تعريفها اصطلاحًا:-
بأنها إنابة القضاء أمين يتولى حفظ مال متنازع عليه أو يخاف التنازع فيه على وجه الحماية والرعاية.
تُعرف الحراسة القضائية بأنها:-
"توجب توقيفه - أي المُدعى فيه - وبه حكم الحاكم لمن طلبه، ثم إن التوقيف تتوقف معرفته وإجراؤه على معرفه أسبابه وكيفياته، فأما أسبابه.. فشهادة عدلين أو عدل واحد أو رجلين يحتاجان إلى التزكية أو قرينة قوية، وأما كيفياته.. فإما بالحيلولة وإما بعدم التفويت في العقار وإما بوضعه أو وضع ثمنه أو وضع قيمته
تحت يد أمين".
أما عن خصائص الحراسة القضائية فيمكن تلخيصها بما يأتي:-
أنها تدبير احتياطي، ذلك أن الحراسة في الأصل ليست من وسائل التنفيذ الجبري على المدين الممتنع عن الوفاء.
أنها تدبير وقتي، بحيث أنها استمرار بقاءها يرتبط ببقاء الأسباب المبررة لفرضها، فمتى زالت تلك الأسباب انتفى معها مبرر فرض الحارسة ووجب رفعها.
ويلاحظ أنه إذا قضي برد طلب فرض الحراسة، فإن ذلك لا يحول بالضرورة دون إمكانية فرضها في مرحلة لاحقة إذا تبدلت الظروف التي حالت دون فرضها في السابق أو إذا استجدت
ظروف تبرر فرضها.
هي إجراء تحفُّظي:
إن الحراسة القضائية لا يصحّ أن تكون إجراءًا تنفيذيًا أو تستعمل كوسيلة للضغط على المدين من أجل الوفاء بدينه، بل يكفي أن يكون هناك خطر عاجل يتهدد مصلحة أحد الطرفين المتنازعين في ضياع الشيء المطلوب وضعه تحت الحراسة القضائية.
سلطة الحارس القضائى
إنَّ من أهم آثار حكم الحراسة القضائية العملية - بعد آثارها الإجرائية التطبيقية بتعيين الحارس وبيان حقوقه والتزاماته وإيضاح نطاق عهدته - ممارسة الحارس لسلطته الفعلية، من خلال صلاحياته، وحدود ولايته الجزئية، وما يترتب عليها من تحملٍ للمسؤولية - ما بين حقٍ أو التزامٍ أو ضمان - وموقف الجهة القضائية، وذوي الشأن، وكذا الغير من ذلك كله، بيانًا للمدى الذي يصل ثم ينتهي إليه عمل الحارس ونفوذه.
يستمد الحارس القضائي سلطته - سواء في الانتفاع أو التصرف - على محل حكم الحراسة تأسيسًا على مدى الولاية الشرعية والاختصاص النظامي المُقرر للناظر القضائي مصدر صك حكم الحراسة القضائية، وكذا يتضح مدى سلطة الحارس - في الانتفاع أو التصرف - نصًا في صك الحكم، من حين صدوره من القاضي المختص، أو بلاحق عليه، أو رجوعًا للقواعد العامة المُنظمة حين عدم التنصيص.
للمزيد من القصص المؤثرة والانشطة التدريبية والمقالات العلمية والحقائب التدريبية يمكنكم الضغط هنا
0 التعليقات:
إرسال تعليق